19 - 10 - 2024

وجهة نظري | الاعتداء على الأقصى .. متى يثور العرب؟!

وجهة نظري | الاعتداء على الأقصى .. متى يثور العرب؟!

في منتصف الشهر الكريم ، فجرا وبينما تتجه قلوب المصلين بخشوع وتضرع تلتمس الرحمة والمغفرة في المسجد الأقصى المبارك، إنهالت قبضة الأيادى الغاشمة ضربا مبرحا. تتعالى الصرخات الفزعة لتختفى معها صوت التكبيرات .. تتوارى دموع الخشوع لتنهمر أنهار أخرى من فزع وخوف، تتألم الأجساد المبتهلة بفعل ضربات الهراوات لتمنع الايادى المتبتلة أن ترتفع بالدعاء.

جريمة بشعة جديدة تضاف لسلسلة جرائم الاحتلال الإسرائيلي التي لا تتوقف.

اعتداء على المسجد المقدس، ضرب المصلين والمعتكفين. لم تسلم حتى النساء من ذلك الاعتداء الوحشى تحت ادعاء كاذب بوجود متطرفين مسلحين معتصمين بالمسجد، قاموا بإطلاق المفرقعات النارية ورشق الشرطة بالحجارة .. وهو مانفاه الشيخ عكرمة صبرى رئيس الهيئة الإسلامية بالقدس وخطيب المسجد الأقصى، مؤكدا أن الاقتحام أمر متعمد ومبيت له.

رغم بشاعة الجرم لم يكن الأمر مفاجأة، كان الكل متوقعا أن يحدث الاعتداء، الكل يترقب ويتابع دعوات الجماعات الدينية المتطرفة باقتحام الأقصى في عيد الفصح .. دعوات مستمرة ومكثفة تطالب بالاقتحام وتدعو لذبح القرابين وتعد بمكافآت سخية لمن ينجح في التنفيذ، ربما جاءت جريمة فجرالأربعاء الوحشية لتمهد لمزيد من تلك الإعتداءات.

لم يكن الأمر مفاجئا، لكن التوقع لم يحل دون الغضب. اعتداء وحشى على المصلين، تقييدهم وطرحهم أرضا يحاولون جاهدين أن يرفعوا رؤوسهم فلا تلمس جباههم الأرض لتظل معلقة بالسماء لاتسجد إلا للخالق وتجاهد كي لا ينال الغاشم من كبريائها وعزتها.

سالت الدماء وارتفعت أعداد المصابين .. مئتي مصاب وأكثر من أربعمائة معتقل، لم يطلق سراح سوى العشرات منهم، سراح مشروط ومقيد بالإبعاد عن القدس لمدة أسبوع .. عقاب لانهم أرادوا الصلاة في مسجدهم المقدس في شهرهم الكريم وفجر يومه العظيم، عقاب لأنهم مارسوا حقهم في العبادة، عقاب لأنهم مسالمين تلقوا ضربات الهراوات بينما ترتفع أيديهم بالابتهال والدعاء ومناجاة الله .. عقاب لانهم مازالوا صامدين مقاومين متمسكين بمسجدهم المقدس وأرضهم المحتلة، حتى وإن كانت مقاومة بالصلاة وبدون سلاح.

عقاب لأنهم لم ييأسوا بعد ولم يرفعوا راية الاستسلام.

أو ربما يكون عقابا، لأنه لا ظهر لهم يحميهم، ولا قوة يمكن أن تردع من يرتكب الجرائم الوحشية وينتهك حرمة مقدساتهم وأرضهم وإنسانيتهم.

عقاب يزيده صمت مخزى لعالم يختل ميزان عدالته دوما، يكيل بمكيالين وفق هواه ومصالحه.

عقاب يؤجج ألمه موقف عربي واهن، لا يخرج عن مجرد إدانة لانتهاكات  لم يجرؤ البعض على وصفها بالجرائم، بينما اكتفى بعضها الآخر بالمتابعة بقلق بالغ، وكأن الغضب لامحل له من الإعراب أمام تلك الجريمة، فاكتفى بمواجهتها بالرفض الخجول.

لم تكن ردود الأفعال العربية أكثر من كلمات شجب رتيبة مللنا من سماعها، فقدت قيمتها .. ولم تعد سوى مجرد ذر للرماد في العيون.

لانعلق بالطبع آمالا على اجتماع طارئ للجامعة العربية غدا، لن يخرج عن كلمات جوفاء .. ربما يدعو في النهاية للتهدئة ويطلب من الطرفين ضبط النفس، فيساوى كعادته بين الضحية والجلاد.

لاتحمل الأيام سوى مزيد من التصعيد، استفزازات لا تتوقف وجرائم لا تنتهى وأزمات مستمرة تؤججها سياسات حكومة يمينية متطرفة، تتفنن كل يوم في سكب مزيد من الزيت على النار المشتعلة، وتتوعد بمزيد من القمع والاغتيالات والانتهاكات .. لنترقب مزيدا من الجرائم الإسرائيلية في انتظار الشعب الأعزل .. لا يواجهها العرب للأسف سوى بالإدانة الخجول والصمت المخزى.

كم من الانتهاكات والاعتداءات والاقتحامات وجرائم تدنيس المقدسات، يلزم حكامنا لاتخاذ مواقف أكثر حسما وردعا .. هل يحمل قاموس بياناتهم يوما تلويحا بتجميد العلاقات واستدعاء السفراء ووقف الزيارات والمعاملات .. يبدو أن ما نأمل به حلم بعيد إن لم يكن مستحيلا.
-------------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | الاستغناء عن الحكومة